كيف تساعد صديقك الذي يكره نفسه؟
قد يلجأ إليك صديقك بشكل متكرر بشكوى واحدة. “أكره نفسي”، قد تكون هذه خلاصة ما سيحكيه، سواء كان موقفا سيئا في العمل لم يتصرف فيه بحكمة، أو ملابس جديدة لم تناسبه وشعر بعدها بكراهية شديدة نحو ذاته. في حالات كثيرة يكون شعورا عابرا، مَن منا لا ينتقد نفسه من حين إلى حين؟ بل أحيانا تكون العين النقادة مهمة للغاية في رحلة تطورنا.
لكن أن يستمر الأمر ويطول، فتجد أن حديث صديقك عن نفسه لا يدور سوى حول فشله وقبحه وشكله وضعف مهاراته، وأنه ببساطة “يكره نفسه”، كيف تمد يد المساعدة لصديقك حين تجده عالقا في هذا الموقف، يعرقل سير حياته ويؤثر على نفسيته ونفسيتك سلبا؟ في هذا المقال نقدم لك دليلا إرشاديا لمساعدتك ومساعدته.
بعيداً عن العمر، هذه 4 صفات تثبت أنك أصبحت إنساناً ناضجاً .. هل تنطبق عليك ؟
ما يجب أن تعرفه
من أجل التغلب على مشاعر كراهية الذات، من المهم بداية الإلمام بعلاماتها وفهم أسبابها ومحفزاتها، وإدراك أبعاد تأثيراتها العميقة التي تُحدثها في حياة المرء قبل وضع خطة للتغلب عليها وتطوير مهارات صحية لمواكبة الصعوبات التي تواجهنا. قد تلاحظ بعضا من العلامات التالية على صديقك أو أيا كان الشخص الذي تقلق حياله، تظهر في سلوكيات بسيطة أو كلام عادي يقوله بلا غاية (1)(2).
- التفكير المتطرف: قد تلاحظ أنه لا يُفكر باعتدال في حياته، بمعنى أنها إما جميلة وهادئة وسعيدة وإما شنيعة ومملة وبائسة، إما أن يكون رائعا وفريدا وإما أنه مثير للشفقة، في حالة إن أخطأ، فلا يراه خطأ عاديا، بل فشلا ذريعا وتدميرا شاملا لحياته.
- التركيز على الأمور السلبية: قد يحظى بيوم جيد أو يوم عادي، لكنه يميل إلى التركيز على ما لم يعجبه، القهوة التي انسكبت، الموقف المحرج الذي أضحك زملاءه عليه، تعثره في الطريق، لم يجد ما كان يبحث عنه، زميله أجابه بنبرة ساخرة، وهكذا.
- الميل إلى التفكير العاطفي: يعتبر مشاعره حقائق مُسلَّما بها حين تدور عن ذاته. في حال راوده شعور سلبي مثل أنه فاشل أو عبء على الآخرين، يفترض مباشرة أنه يعكس حقائق صحيحة كانت غائبة عنه، وأنه فعلا فاشل، ويتصرف بناء عليها.
- تدني احترام الذات: عادة يشعر أنه لا يستحق أي شيء ولا أهمية لوجوده، كذلك يقارن نفسه بالآخرين، ودائما هو الخاسر في المقارنة.
- التعطش لنيل رضا الآخرين: بمعنى آخر، المبالغة في الاهتمام بآراء الآخرين وظنونهم عنه، كذلك يستمد قيمته الشخصية ويتغير أيضا بناء عليها.
- صعوبة قبول المديح: دائما هناك مبرر وراء أي إنجاز أو ملمح حسن يمتدحه شخص ما. في حال أن أحدا امتدح شكله فيجيب بأنه محظوظ اليوم لا أكثر، أو إن امتدح عمله فسيجيب بأن الكثير ساعدوه. إما يستبعد ما قيل له أو يتجاهله وينسب الفضل إلى شخص آخر بدلا من قبول المجاملة بلطف.
- محاولة التأقلم: ينتابه دوما شعور بأنه لا ينتمي إلى المكان، وأن عليه بذل جهد كي لا يشعر من حوله بأنه غريب عنهم، كثيرا ما يكون على قناعة بأن الجميع يكرهه، ويجد صعوبة في فهم لماذا يحبه الآخرون أو لماذا يودون قضاء الوقت بصحبته.
- صعوبة تقبُّل النقد وأخذه على محمل شخصي: قد تلاحظ أن صديقك يشكو لك من أستاذه الذي طلب منه تعديل تقرير دراسي أو من مديره الذي أخبره ألا يتأخر عن موعد العمل، ستشعر في شكواه أنه يعتبر الملاحظة هجوما على شخصه وسيقضي وقتا طويلا يفكر فيها ويحللها.
- المقارنة والشعور بالغيرة: تنبع الغيرة من المقارنة السلبية بمن حولنا، أحيانا تكون الغيرة شعورا حميدا يدفعنا للتقدُّم والتطور، لكن حين يكره المرء ذاته ستلاحظ شعوره المتكرر بالغيرة السلبية، ويقرر بناء عليها قطع علاقاته ببعض الناس حتى لا يشعر بالاستياء حيال ذاته وحياته.
- الخوف من العلاقات الإنسانية العميقة: قد تلاحظ أن صديقك يدفعك بعيدا عن حياته، أو يرفض أي نوع من الارتباط العاطفي بسبب خوفه من ابتعادهم وتركه وحيدا أو اقتناعه بكراهيتهم له، أو شعوره بأنهم سيكشفون حقيقة شنيعة عنه في حال سمح لهم بدخول حياته، وتنتهي العلاقة نهاية مؤلمة.
- رثاء الذات: هذا الشعور دائرة مفرغة من الاستياء العام من الحياة وأنها تشنّ حربا دائما ضده، والشكوى المستمرة من كونه ضحية لشخص ما أو موقف ما، دون النظر إلى أي خصال أو أحداث إيجابية، أو محاولة الخروج من دور الضحية.
- الخوف من الأحلام الطَّموحة: يخشى أن يحلم، مجرد الحلم بأحلام كبيرة أو التخطيط لطموحات وتطلعات قد يكون تحقيقها شاقّا. يميل أيضا إلى نمط الحياة الآمن المحمي، ويتجنب أي شكل من أشكال المخاطرة. قد تكون أسبابه هي الخوف من الفشل أو حتى النجاح، أو النظر إلى ذاته باحتقار بغض النظر عن النتائج.
- جلد الذات والقسوة عليها: قد تلاحظ أنه يجد صعوبة بالغة في مسامحة نفسه على أخطائه وتضخيم عواقبها، كذلك يندم ندما بالغا على أمور حدثت في الماضي أو فشل في إنجازها، ولا يتخلى عنها أو يتجاوزها، ويستمر في إسقاط واقعه عليها.
- السخرية اللاذعة: يرى الحالمين المتفائلين سُذّجا، وأن العالم بأكلمه مكان قبيح ويكرهه، نظرته إلى الحياة قاتمة وليس لديه أي أمل أو حتى تصور بأن تتحسن الأمور والظروف.
لماذا يكره نفسه؟
في حال بدت هذه العلامات مألوفة على سلوكيات صديقك، أو حتى أغلبها، فربما تتساءل عن أسبابها، كيف انتهى المطاف بصديقك الذي تراه ذكيا وطموحا وخفيف الدم بأن يكره طبيعته وعالمه؟! لكنه سؤالٌ -على بساطته- صعب ومعقد. تتعدد الأسباب، وقد لا تكون مُلِّما بكل ما تعرَّض له خلال حياته وفي طفولته، لذا نستعرض سريعا بعضا من الأسباب المحتملة التي قد تؤدي بالمرء إلى كراهيته لذاته.
!العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة.. ما هي محرماتها؟ إحداها تسبب السرطانات
- 1- الصوت الداخلي الجلّاد
من المحتمل أن في رأسه صوتا ناقدا يلومه على كل فعل وحركة؛ ليس هذا الصوت علامة على الجنون، بل هو صوته الداخلي ومرشده. تخيل أن هذا “المرشد” درَّبه على مدار حياته -بما في ذلك تجاربه والأشخاص المحيطون به- على أن يحبطه دائما، ويقارن بينه وبين الآخرين، ويُملي عليه بأنه منبوذ ووحيد وليس كافيا، وأنه سيئ لدرجة أنه يخدع كل من حوله بقناع مزيف.
رغم أنه صوت داخلي، لكنه عدو لدود يعيق كل خطوة يتقدمها أو يتفِّه من شأنها. هذا الصوت يسوِّئ صورته عن نفسه، يخترعُ مبررات تدفعه إلى كرهها ولومها على الدوام. أحيانا يكون الصوت على النقيض من هذا؛ قد يكرر على البعض أفكارا عن عظمتهم وحقارة الآخرين، أو أنه مراقب وعليه دوما توخي الحذر من كل شيء وأي شخص. بما أنك لاحظت كراهية صديقك لذاته، فعلى الأرجح أنه يصغي ويطيع هذا الصوت دون مساءلته أو التشكيك فيه، ويسمح له بالتأثير على قرارته ونظرته لنفسه.
ما الذي يا تُرى يقوله له صوته؟ أشياء مثل: “مَن تظن نفسك؟”، “لن تنجح مهما حاولت”، “فاشل، وستظل فاشل”، “لماذا قد يحبك شخص مثل هذا؟! لا شك أن لحبه دافعا خفيا”، “لا تثق في أي شخص، الكل سيخيّب ظنك”، “أنت سمين بالفعل، لا بأس إن أكلت المزيد”، “أنت شديد القبح، هذه الملابس لن تجعلك أجمل”.
مع تكرار هذه العبارات وما يُشبهها، تتحول الصور السلبية إلى حقائق لا يمكن تحليلها أو إعادة التفكير فيها فيصدِّقها في النهاية، ومع هذا التصديق تأتي الاعتقادات بأن المرء لا يستحق الحب أو النجاح، بل لا يستحق الطموح أو الأحلام، أو حتى مسامحة نفسه على زلَّاتها. كلما أنصت المرء إلى صوت الجلّاد داخله، تزيد قوته وتأثيره، ولا يتوقف عند الفشل أو الحب، بل قد يمتد الأمر إلى الأفكار الانتحارية، أو جنون الريبة والخشية من أي شعور لطيف وتجنبه والتشكيك فيه بعد الإنصات له فترات طويلة(1).
- 2- تجارب الطفولة
العيش مع أبوين ناقدين، حتى وإن كان بغرض النصح والتقويم، يخلق شعورا مستمرا بضرورة تصحيح شيء ما، حتى بعد التقدم في العمر يظل أثر نقدهما حاضرا. كذلك في حال إن كان أحد الأبوين متوترا أو غاضبا أو عصبيا معظم الوقت حدَّ أن يضطر الطفل إلى الحذر دائما حوله كأنه يسير على قشر بيض. يعلِّمه هذا الوضع التلاشي في خلفية الأحداث، التهميش وإغفال مشاعره على حساب ما يشعر به الآخرون.
- 3- التجارب الصادمة والصعبة
لا تتطور كراهية الذات من تلقاء نفسها، قد تنشأ من خوض تجارب صعبة أو أحداث صادمة (مثل التحرش أو الاغتصاب، أو هجوم جسدي، أو حتى الخسارات الفادحة) تترك في المرء انطباعا سيئا عن ذاته، وتقنعه بأنه مخطئ ومذنب. قد يبدأ في سؤال نفسه: “لماذا أنا بالتحديد؟”، أو يشعر بالخجل من نفسك، أو الندم خاصة إذا شعر أن الخطأ خطؤه بطريقة ما.
كذلك قد يتشكل من مصادر أقل وطأة، مثل التعرض للتنمر المستمر، أو نتيجة علاقة عاطفية سيئة عانى فيها من التلاعب والخداع من الطرف الآخر، قد تبدو لنا أحداثا عابرة بلا أهمية، لكن لها أثرا طويل الأمد على وعينا ونظرتنا إلى ذواتنا.
- 4- اضطراب نفسي
قد تنبع كراهية الذات من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق. الاكتئاب، على سبيل المثال، قد يكون مصحوبا بأعراض مثل اليأس والشعور بالذنب والخجل؛ ما قد يدفع المرء إلى الشعور بضآلة نفسه ودونيتها دون سبب واقعي. لسوء الحظ، تمنع طبيعة الاكتئاب القدرة على استيعاب التحيز الذي تجريه الدماغ، بمعنى أن المرء لا يُدرك أن اكتئابه هو ما يدفعه للتفكير على هذا النحو. كلما أثرت حالة الاضطراب على الأفكار، تمتد النظرة السلبية عن الذات وتبسط نفسها لتتحول إلى واقع يؤدي إلى الوحدة والشعور بالغرابة وسط الآخرين.
انفوجراف
ماذا أفعل؟
- أولا: مساعدته على إيقاف عجلة الكلام السلبي
نحن لسنا أصواتنا، نحن لسنا الصور التي نتصورها عن ذواتنا. تغيب عنا هذه الحقيقة كثيرا، وننساق خلف الجلّاد بداخلنا.
تحدّث مع صديقك أو شريكك حيال تصوراته عن ذاته، ذكِّره بأنه ليس عليه الثقة بتلك الأفكار لأنها فقط تنبع من داخله، على العكس. نظرتنا عن نفسنا منحازة تماما بسبب تجاربنا وخبراتنا، لذا عليه أن يستقبل صوته الناقد بصفته صوتا غريبا عنه، صوتا غير مرحَّب بوجوده لأنه تكوَّن من خلال أقسى تجاربه، لذا من الطبيعي أن يكرهه ويعيقه، ذكِّره بأن هذا الصوت ليس صديقه، بل عدوه اللدود، يتلاعب به ويعزله عن العالم، أو يضخِّم له أمورا غاية في البساطة، ويسلط الضوء على السلبيات التي تغذى بها طيلة حياته، لذا يفتفر إلى التوازن الذي يسعى إليه.
بالطبع كلنا عيوب، كلنا ارتكبنا أخطاء حمقاء، لكن رفض الانقياد مع الكلام السلبي الذي يأتي من داخلنا هو أولى خطوات تقبل الذات ومحاولة تحسينها وتطويرها قدر المستطاع. التعاطف مع الذات مهارة تُكتسب. أخبره بأن يرى نفسه كصديق، كيف سيُجيب صديقه إن أخبره بأنه فاشل؟
هل سيوافقه أم سيُثبت له بشتى الطرق أن الخطأ ليس فشلا وأن عليه ألا يصم حياته كلها بسبب يوم سيئ أو تجربة سلبية. التعاطف مع الذات وتعلُّم مسامحتها ضروري لتحقيق أهدافنا وعيش حياة راضية متحررة من قيود الماضي، أن ندخل التجارب بروح جديدة غير ملوثة بتصوراتنا عن ذاتنا التي نُغالي فيها. إن فكَّر في ذاته كصديق، وفَهِم مصدر كلامه السلبي عن نفسه، فسيتمكن من فصل وجهة نظره عن ذاته وواقعه(2)(3).
- ثانيا: انصحه بممارسة الامتنان
الامتنان وسيلة لنقدِّر ما بين أيدينا بدلا من إمعان النظر في ما فاتنا أو ما لم نحققه. الامتنان سلوك بسيط، لا يستغرق وقتا، مع ذلك فهو عميق الأثر على المدى البعيد. أظهرت تجربة أجراها الباحثون في جامعة ميامي أن تسجيل قوائم الامتنان بشكل أسبوعي أو يومي قد يغير حياتك، بعد 10 أسابيع من التجربة، شعر المشاركون بالرضا عن حياتهم، وبدؤوا في اتخاذ قرارات بسيطة لكن مؤجلة، مثل ممارسة أي رياضة خفيفة يوميا، أو اتباع حميات صحية، أو حظوا بتواصلٍ أعمق مع شركاء حياتهم.
ممارسة الامتنان ليست سحرا، بل هو بناء صغير تشيده لتستند إليه وقتَ أن يهاجمك اليأس والقنوط، وقت أن تظن أن حياتك سلسلة من الأحداث التعيسة، وقت أن تظن أن الرضا والسعادة لا يأتيان سوى في شكل تلبية الرغبات المادية وتحقيق الأهداف العظيمة. الامتنان هو وسيلة تفكك رغبتك في أن تكون إنسانا استثنائيا خارقا، أو أن نجاحك يتوقف على منصب ما أو السفر حول العالم. إنه رصدُ التفاصيل الصغيرة التي تدخل البهجة على قلبك، رصد حظك السعيد وتقديره حق قدره لأنه لا يحدث دائما.
إن نصحت صديقك بممارسة الامتنان، قد يبدو لكما معا في البداية نشاطا مفتعلا ومبتذلا، لكننا ننسى الأوقات التي غمرتنا فيها السعادة، ولا نتذكر سوى تلك التي ترك فيها الألم بصمته علينا، لذا فإن الامتنان هو أداةٌ تستخدمها لتحسين نظرتك لذاتك وحياتك باطراد، إنه -كأي ممارسة أخرى- يظهر أثره بالاستمرار والتدريج(4).
- ثالثا: ضع نفسك مكانه
قد تغمرك المشاعر حين تسمع حديث صديقك عن نفسه، أو حين يشاركك ألمه، قد تشعر بالعجز وقلة الحيلة أمام كراهية صديقك لذاته، وتحتار كيف تساعده في مشكلة متجذرة لهذا الحد. لكن اقلب الموقف لحظة؛ ما الذي تحتاج إليه حين تكون في موقف شبيه بهذا؟ حين تمر بيوم سيئ، أو تشعر أنك بلا أهمية، أو أخطأت خطأ فادحا، أو رسبت في اختبار. تذكَّر التفاصيل الصغيرة التي أسعدتك، ربما سيخفف عنك إن تناول معك شخصٌ تحبه الآيس كريم، أو أرسل إليك أحدهم رسالة لطيفة مفاجئة، أو ربما لم يحدث أي شيء سوى أن صديقك المفضل أتى وجلس بجانبك في صمت.
لن تحلّ هذه المناورات مشكلة كراهية النفس، لكنها ستخفف من حدتها في تلك اللحظة. ذكر صديقك بأهميته لديك، والإنجازات الصغيرة التي نجح فيها، والظروف الصعبة التي مرّ بها وأعاقته ذات يوم لكنه -مع ذلك- تخطاها. إن كنت تعرفه حق المعرفة وخمّنت مصدر مشاعره، فذكّره بها وحللها معه.
ربما لن يستجيب فورا لمنطق حديثك، لكنه على الأقل سيتذكر مكونات شخصيته، وأن الظروف شكلته رغما عنه. ربما سيستمر في الإنصات لصوته الداخلي، إلا أن المشتتات المؤقتة تمنحه السكينة برهة من الوقت، تحرره من فزع أن كل شيء يسير على نحوٍ مروع. فاجئه بهديةٍ صغيرة، أو أحضر له شيئا مفضلا له، ذكّره بالأوقات التي تصَرَّف فيها بحكمة، وأن زلة واحدة لا تُحدد قيمة حياته أو ذاته.
- رابعا: ساعده على بناء عادات صغيرة إيجابية
لن تتمكن سوى من لفت انتباهه إلى عاداته السلبية، مثل عجزه عن تصديق أي إطراء يتلقاه، دورك هو تنبيهه إلى أن تقبُّل المديح مهارةٌ يمكن إتقانها، وأنه لا يصدق أي ثناءٍ على شخصه بسبب كراهيته لذاته، لا لأن الثناء ليس صادقا. يتطلب تقبُّله تدريبا عمليا يتمثل في طريقة الرد عليها. ليس عليه أن يصدقها من كل قلبه، لكن انصحه بتجنب نفي الإطراء عن نفسه وتبريره، مثلا في حال أن مديره أخبره بأن عمله اليوم كان ممتازا، عليه أن يمنع نفسه من تحليل العبارة على ضوء نظرته لذاته، وأنه ليس جيدا في عمله بل كانت ضربة حظ، ما عليه قوله هو شكر مديره بلطف. مع الوقت، ومقاومة الرغبة في الرد برأي ناقد أو سلبي، سيُصدق المديح الذي يتلقاه.
إحدى العادات الإيجابية المهمة هي التوقعات المنطقية. نحن لا نولد وننتظر من أنفسنا أن نكون خارقين ومجيدين لكل المهارات ومشهورين، بل هي توقعات نبنيها خلال تجارب حياتنا. حين نُثقل كاهلنا بتوقعات عالية وشبه مستحيلة، قد نلوم أنفسنا حين لا تتحقق. قد يمر صديقك بهذا طوال الوقت، إما أن يحصل على كل شيء وينجز كل أعماله ويحقق كل أهدافه، وإما هو فاشل؛ قد يكون هذا العجز هو ما يُعيقه عن تقبل طبيعة الحياة، بأن يوما لك ويوما عليك، انصح صديقك بتكسير أهدافه إلى مهام صغيرة، وأن المشكلة ليست فيه، بل في التوقعات الثقيلة التي يفرضها على نفسه، والتي في الأغلب تُبنى على مقارنة نفسه بالآخرين على نحوٍ غير عادل(2)(5).
- خامسا: اعتنِ بنفسك
المشاعر معدية، لذا من المهم أن تتذكر -في حال لم تنجح في مساعدته، أو شعرت بالإرهاق- أن صحة صديقك النفسية ليست مشكلتك. عليك دعمه ومحبته ومساعدته قدر المستطاع، لكن لا تدع هذا الدعم يستهلك وقتك ومشاعرك. التعامل مع شخص يكره ذاته مرهقٌ للغاية، لذا لا تشعر بالذنب إن أردت توجيهه إلى مختص محترف مدرَّب على التعامل مع هذا النوع من المشكلات والأفكار السلبية، ربما
تكون مبادرة لطيفة أن تحضر له قائمة من المعالجين النفسيين القريبين من منطقة سكنه، أو أن تتكفل بدفع ثمن أول جلسة تشجيعا له. لن يجعلك هذا صديقا سيئا أو غير داعم، على العكس، عليك أن تعتني بنفسك لأنك لن تكون الصديق الذي تريده إن كنت مرهقا أو إن تسلل كلامه إلى عقلك وبدأت تُشكك في أهميتك واحترامك لذاتك(1).
————————————————————————————————
المصادر
- What Is Self-Loathing? Jodi Clarke, Verywell Mind, 2022.
- ‘I Hate Myself’: 8 Ways to Combat Self-Hatred, Arlin Cuncic, Verywell Mind, 2022.
- What Is Self-Loathing? Julian Selemin, Web MD, 2022.
- Giving thanks can make you happier, Harvard Health Publishing, 2021.
- Never Feel Good Enough? How to Find Your Self-Confidence, Jennice Vilhauer, Psychology Today, 2020.