هل أنا مصاب بالسرطان، أم أنهّا مُجرّد أوهام نفسية؟
تستيقظ من النوم، تشعر بألم في الرأس وتنميل تحت الجلد في أحد أطراف جسمك، تقفز من سريرك وتذهب مُسرِعًا لأقرب مرآة، تنظر في وجهك وتتأمّل في تفاصيلك، تقارن بين عَينَيك، لعلّ العين اليمين تبدو أكبر من العين اليسار، تثار شكوكك، وتبدأ بالقلق، هل يُعقَل؟ هل هناك ورم سرطاني داخل دماغي، يضغط على عَيني اليسار فيجعلها أصغر حجمًا؟ هل الورم هو السبب وراء الشعور بالتنميل تحت الجلد وهل الورم نفسه هو سبب الألم في الرأس؟ تُمسِك هاتفك، وتبدأ بالبحث عن الأعراض عبر محرّك البحث في الإنترنت، وإذ به ما تخشاه حقًّا، تخبركَ نتائج البحث أنّك مُصاب حتمًا بالسرطان وأنّه لَم يتبقَ أمامَك سوى أيّام معدودات قبل أن تظهر باقي الأعراض تِباعًا.
حسنًا، ما يحصل معك، يحصل مع كثير من البشر حول العالَم، حتّى أن طبيب الأنف والأذن والحنجرة السويسري هنريك فيديغرين، قام بتأليف أغنية لطيفة ومضحكة للغاية بعنوان: لا تبحث أبدًا عن أعراضك المَرَضية في محرّك البحث جوجل، (وبإمكانك تفعيل الترجمة العربية على الفيديو)، دلالة على شيوع هذه الظاهرة وهذا التوهّم بالأمراض الذي تخلقه كثرة البحث عن الأعراض عن طريق محرّكات البحث والتي ستخبرك دائمًا بوجود أمر خطير وعضال بدون مُعطيات واقعية عن حالتك المَرَضية وبدون فحوصات أو صور طبّية تجعلنا أكثر تيقّنًا من الأعراض التي نعاني منها.
نحاول في هذا المقال، أن نُرشدك بخطوات علمية وطبّية للتغلّب على اضطراب توهّم الأمراض، وللتخلّص من الشكوك والمخاوف المُبالغ فيها حيال بعض الآلام الجسدية الاعتيادية، بالإضافة إلى تحليل الأسباب الطبّية والنفسية التي تفسّر سبب وعوامل نشوء اضطراب القلق المَرَضي أو اضطراب توهّم المَرَض، ونقدّم لكَ إجابة بخطوات عملية على سؤال الرئيسي: هل أنا مُصاب بالسرطان؟ كيف أتخلّص من الشك بالإصابة بمرضٍ ما؟
ما يجب أن تعرفه
قديمًا أُطلِقَ على اضطراب توهّم الأمراض مصطلح هيبوكندريا (hypochondria) والذي يعني: المَرَض أو الحزن الذي يمسّ الإنسان بدون سبب حقيقي معروف، أو بأنّه المَرَض الذي يخفى على الجميع أسبابه. حين تُشير جميع الفحوصات الطبّية وصور الأشعّة بأنّ المُراجع لا يُعاني من أيّ خلل عضوي في وظائف جسده وفي المواضع التي يشكو منها، حتّى وإن أصرّ المُراجع على وجود مرض.
فإنّ أقرب تخمين طبّي لهذه الشكوك والمخاوف والآلام بأنّها أعراض ذات منشأ نفسي بفعل التوتّر أو القلق أو المرور بظروف حياتية صعبة مثل فقدان الوظيفة والانفصال العاطفي أو الفقد وموت أحد الأقرباء بفعل مَرَض عضال أو خبيث ونحو ذلك من المحفّزات السياقية والظروف النفسية الصعبة.
أزال الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الخامس (DSM-5) الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي في عام 2013 مصطلح (هيبوكندريا) لما يحمله من دلالات سلبية(2)، واستبدله بمفهومين آخرين، هما: اضطراب الأعراض الجسدية، واضطراب القَلَق المَرَضي أو ما يُسمّى باضطراب توهّم المَرَض.
يُظهر المصابون باضطراب توهّم المَرَض خوفًا دائمًا غير خاضع للمنطق من إصابتهم بمرض خطير بالرغم من محدودية الأعراض أو انعدام وجودها من الأساس، كما يخالجهم عدم الارتياح لوظائف الجسم الصحية كالتعرّق، وكذلك يُظهرون القلق بشأن أبسط الأعراض وتفسيرها على أنها مرض خطير والمبالغة في مدى شدتها. قد يدرك البعض أن خوفهم غير معقول أو لا أساس له، لكنهم لا يملكون شيئًا حيال ذلك.
غالبًا ما يبحث الشخص المُصاب باضطراب توهّم الأمراض في جسده مفتشًا عن علامة لعلّته المشكوك فيها، ويواظب من أجلها على قياس ضغط الدم أو درجة الحرارة، سيتحرى عنها في محركات البحث مرارًا، ولن تمده زيارات الطبيب التي سيسعى إليها أو يتجنبها من الهلع أو حتى نتائج الاختبارات السلبية بطمأنينة كاملة،
ليظل الشخص المُصاب مهووسًا بأفكار المرض، شاعرًا بأنه مضطر للقيام بتلك الأمور لتهدئة القلق الذي يشعر به حول صحته المهددة، شاعرًا بالتحسن لفترة قصيرة قبل أن يبدأ في القلق بشأن الأعراض نفسها أو أعراض مغايرة من جديد، ولذلك السبب بالتحديد يلتقط بعض الباحثين شبهًا بين اضطراب قلق المرض في بعض نواحيه واضطراب الوسواس القهري.
في حالة المُراجع الذي يُعاني من اضطراب توهّم المَرَض، عادةً لا يأتي الضيق الناتج عن هذا الخوف من الشكاوى الجسدية، وإنما من تيقنه بأنه سيعاني حاليًّا أو مستقبلًا من مرض عضال كالسرطان أو من فيروس نقص المناعة البشرية وما إلى ذلك، وبأن الأعراض الجسدية غير الضارة هي مؤشرات على حالات طبية خطيرة أو وجود مشكلة صحية جسدية وشيكة. والمشكلة أنّ المُراجع المُصاب باضطراب توهّم المَرَض، يعصب عليه أن يرى أنّ مخاوفه نفسية، ومن ثم قد يرفض اقتراحك باستشارة أخصائي الصحة العقلية.
يصبح المرض جزءًا من هوية المصاب باضطراب القلق المرضي، ليكون موضوعًا شائعًا في محادثاته؛ ما قد يسبب إحباطًا داخليًّا له ولمن حوله. حتّى أنّ الشخص المُصاب قد يُبالغ -مثلًا- في مشاركة حالته الصحية مع الآخرين، وفي السعي لطمأنة أحبائه بشأنه، وربما الحذر من الجموع أو الأماكن أو الأنشطة خوفًا من المجازفة الصحية.
تتصاعد إمكانية الإصابة بالاكتئاب الشديد وحتى استثارة النوازع الانتحارية، بل وربما يتعدى قلق المرضى الذين يعانون من ذلك الاضطراب صحتهم ليكون لديهم أيضًا قلق عمن حولهم؛ ما يخلق ضغوطًا تؤثر على الصحة الجسدية والعقلية، معرّضة السيد “س” -مثلًا- لخطر ما يلي: صعوبات مالية نظرًا للفواتير الطبية والبطالة، ومشكلات الأداء الوظيفي بالعمل والتغيب المتكرر فيه، وأزمات على صعيد العلاقات العاطفية والأسرية، وأخيرًا إمكانية الإصابة باضطراب آخر في الصحة العقلية مثل اضطرابات القلق أو الاكتئاب أو اضطراب الشخصية.
إذا كنت تشعر بعجز نفسي من فعل أي شيء، إليك 4 أسرار تزيد إنتاجيتك بشكل غير مسبوق
لماذا يصاب الفرد باضطراب توهّم المرض؟
تشير التقديرات إلى أن ما بين 1.3-10% من الأشخاص يعانون من اضطراب القلق المرضي أو اضطراب توهّم المَرَض، لكن لا تزال الأسباب الدقيقة للاضطراب غير معروفة إلى حد كبير، وإن حفزت عدة عوامل تطوره(3). فقد تسبق ضغوط الحياة ظهور الأعراض في بعض الحالات، وقد تكون نشأة شخص بين عائلة حريصة على حمايته إلى حد مفرط ولا تنفك تخوض مناقشات حول مخاوفها الصحية كفيلًا بتفاقم هذه الأعراض لديه.
يكون الشخص معرضًا لخطر الإصابة باضطراب توهّم المَرَض في حال عانى منه أحد المقربين لديه، أو هدده مرض خبيث في صغره تبين لاحقًا عدم خطورته، وربما إصابة أحد والديه بداء فتاك؛ ما يجعل الشخص متحفزًا تجاه الألم، فضلًا عن تجربة صعبة لعله مر بها وضاءلت لديه الثقة بالمهنة الطبية -مجملًا- وفي الأطباء(4).
أضف إلى ذلك أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، كاضطراب القلق العام، تتزايد عندهم فرص تطور ذلك الاضطراب، كما أن الطريقة التي يفكر بها الأشخاص المصابون باضطراب القلق المرضي في أعراضهم الجسدية يمكن أن تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بتلك الحالة بالفعل، فمع تطور التفاعل العاطفي لديهم واستهدافهم الأحاسيس الجسدية والقلق بشأنها تبدأ دورة من الأعراض والقلق، والتي قد يكون من الصعب إيقافها.
غير أن من لديهم تاريخ من الاعتداء الجسدي أو الجنسي هم الأكثر عرضة للإصابة بالاضطراب، لا يشترط ذلك بالضرورة أن كل من يعاني من اضطراب قلق المرض مر بتاريخ من سوء المعاملة، إذ يأتي اضطراب القلق من المرض عادةً في بداية أو منتصف مرحلة البلوغ، وقد يزداد سوءًا مع تقدم العمر(6)، ليرتكز الخوف على الأغلب عند الأفراد الأكبر سنًّا من فقدان ذاكرتهم.
ماذا أفعل كي أتعافى من اضطراب القلق المرضي؟
-
أولًا: لا تدع الاضطراب يسلبك قدرتك على العيش
عادةً ما يكون اضطراب القلق المرضي طويل الأمد (مزمنًا) ما لم يتم علاج العوامل النفسية أو اضطرابات المزاج، لتتداخل المضاعفات المحتملة له التي قد تجعل الشخص معتمدًا على مسكنات الألم أو المهدئات ومثبطات الاكتئاب أو اضطراب الهلع. نعم، قد تمر بفترات يكون فيها قلقك الصحي طفيفًا أو معدومًا، ثم يعاود مهاجمتك من جديد ليصل إلى أشده(7)، هنا عليك اتخاذ خطوات حاسمة للسيطرة عليه، فإذا ما سلب منك الخوف قدرتك على الاستمتاع بالحياة أو مثّل عائقًا يتعذر تخطيه، فربما حان الوقت لأخذ فكرة العلاج النفسي بعين الاعتبار.
-
ثانيًا: تقبّل أنّ العلاج النفسي هو الحلّ
وجدت الأبحاث أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، المستند على التحدث عن مخاوفك وقلقك وتعلم طرق صحية للتعامل معها(8)، ساعد المرضى على تحديد مسبباتهم، وتقليل مخاوفهم، وتعزيز إستراتيجيات التأقلم. يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي فعالًا جدًّا في علاج القلق الصحي لأنه يمدك بالمهارات التي يمكن أن تساعدك في إدارة اضطرابك.
يحدث ذلك بتحديد المخاوف والمعتقدات المتعلقة بالقلق الصحي، وتعلم طرق أخرى لإدراكك لجسدك بتغيير الأفكار غير المفيدة، وزيادة وعيك بكيفية تأثير مخاوفك عليك وعلى سلوكك بغرض التعاطي بفعالية أكبر مع الأعراض والقلق والتوتر، والتوقف عن تجنب المواقف والأنشطة وفحص جسمك بحثًا عن علامات مرضية، لتكن واعيًا بمدى تأثير القلق على مشاعرك وسلوكك.
يرمي ذلك إلى تعزيز أدائك في البيئات الاجتماعية وفي العلاقات مع الآخرين والتحقق مما إذا كنت تعاني من اضطرابات نفسية أخرى، كالاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب، أم لا. أظهرت الأبحاث أيضًا أن هناك علاجات أخرى يمكن أن تكون فعالة لاضطراب القلق المرضي. يعتمد العلاج غالبًا على طبيعة الحالة وشدتها.
قلما يقتنع الأفراد بقبول العلاج. تفيد دراسات بأن 30% فقط من الأشخاص الذين يعانون من قلق المرض والذين عُرض عليهم العلاج على استعداد لقبوله وهم وحدهم من اقتنعوا بأن العلاج الطبي فقط هو الذي يمكن أن يساعدهم. يميل الأشخاص المصابون باضطراب القلق المرضي إلى زيارة أطباء الرعاية متحاشين أخصائيي الصحة العقلية خشية أن يسمعوا أن آلامهم محض أوهام(9).
-
ثالثًا: استشارة مختص نفسي
يقوم المعالجون بتدريس تقنيات الإلهاء والاسترخاء، ويساعدون المرضى على التركيز بشكل أقل على أعراضهم، ويتحدثون بدلًا من ذلك عن كيف يزيد التوتر والقلق والاكتئاب من إزعاجهم. يوضح المعالجون أن العديد من الإجراءات التي يتخذها المرضى لمحاولة تخفيف القلق عادة ما تأتي بنتائج عكسية، كالقراءة عن المرض أو البحث عنه.
الطمأنينة مفيدة أيضًا عندما يقدمها طبيب الرعاية الأولية في سياق التقييم المدروس للشكاوى الجسدية. فالقلق من المرض ظاهرة شائعة لدرجة أن العديد من أطباء الرعاية الأولية يفهمون كيفية توفير الطمأنينة بطريقة لا تقوض العلاقة، نظرًا لأن الشكاوى الطبية قد لا تختفي أبدًا، فقد يضع الطبيب جدولًا منتظمًا للمواعيد القصيرة والتي يمكن خلالها مراجعة الأعراض، هذا يمكن أن يساعد في احتواء القلق، من ناحية أخرى، قد يزداد القلق سوءًا إذا حاول الطبيب الحد من الاتصال وعامل المريض باستخفاف.
يجب أن يأخذ الأطباء والمعالجون الأعراض الجسدية على محمل الجد، لا يعني ذلك إجراء اختبارات أو إجراءات غير ضرورية، مع الحفاظ على موقف يقظ ومحترم تجاه الشكاوى الطبية. وفي حال كانت أعراضك شديدة، فقد يوصي طبيبك بالأدوية بالإضافة إلى علاجاتك الأخرى.
-
رابعًا: ادرس بدقة خيارات العلاج مع طبيبك
إذا كنت في طور التحسن بالعلاج النفسي وحده، فتلك علامة جيدة، لكن الحقيقة أن بعض الحالات تحتاج إلى تدخل الأدوية، في هذه الحالة قد يوصي طبيبك بالأدوية. غالبًا ما تستخدم مضادات الاكتئاب، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، لهذه الحالة. تأتي بعض أدوية القلق الصحي مع مخاطر وآثار جانبية خطيرة، لذا من المهم مراجعة خيارات العلاج مع أطبائك بدقة(10).
-
خامسًا: ركّز على إستراتيجيات التعافي
قد يكون التعايش مع اضطراب القلق المرضي أمرًا صعبًا، لكن بعض المهارات قد تعينك على استعادة عافيتك من جديد، كعدد من إستراتيجيات المساعدة الذاتية التي قد يجدها الأشخاص مفيدة في تقليل الشعور باضطراب القلق من المرض.
تحكم في مستويات التوتر، لأن التوتر يمكن أن يسهم في القلق من المرض، فإن إيجاد طرق لتخفيف التوتر قد يكون مفيدًا، فالتنفس العميق والتخيل واسترخاء العضلات التدريجي ليست سوى عدد قليل من الأساليب التي قد تجدها مفيدة في تخفيف التوتر(11).
تجنب المعلومات غير المفيدة. القراءة المستمرة لمقالات مخيفة على الإنترنت حول الظروف الصحية يمكن أن تزيد من مخاوفك. عندما تسعى للحصول على معلومات، ابحث عن مصادر جديرة بالثقة ومطمئنة، ولكن تجنب القراءة المستمرة عن الظروف الصحية أو الأمراض.
أدوات ستساعدك:
- مقطع فيديو
الأخصّائي النفسي تود غراندي حيال اضطراب توهّم الأمراض أو اضطراب القلق المَرَضي
————————————————————-
المصادر:
- Two disorders introduced for better diagnoses
- Toward a Lifestyle Medicine Approach to Illness Anxiety Disorder (Formerly Hypochondriasis)
- Illness anxiety disorder
- Illness Anxiety Disorder (Hypochondria)What Is It, Treatment, and More
- Illness Anxiety Disorder
- What Is Hypochondria?
- Illness anxiety disorder Somatic symptom and related disorders; Hypochondriasis
- Illness Anxiety Disorder Jennifer H. French; Sajid Hameed.
- Illness Anxiety Disorder (Hypochondria, Hypochondriasis)
- How is health anxiety treated?
- What Is Illness Anxiety Disorder? Previously known as hypochondria
السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان السرطان