ليتني لم أكمل الزواج منذ أن علمت أنه يشرب الخمر، ولو من باب الترفيه، فيما يعني أنه كان يتناوله على فترات متباعدة، لكن يبدو أن الأمر قد تطور بعد زواجنا، فأصبح الخمر جزء لا يتجزأ منه، وعندما أتحدث معه في ذلك الأمر، لا أجد منه الرد الذي يرضيني، بل دائمًا ما يسيء إلي كما لو أنني السبب في ذلك، إلى أن طلقني وهو سكران، دعي موقعنا يخبرك الأمر برمته.
زوجي طلقني وهو شارب
تعلقت به كثيرًا، كنت أرى الدنيا من عينيه، كما يقال: مرآة الحب عمياء، فقد كان بشخصيته الكثير من العيوب التي كنت أغض الطرف عنها، أملًا في أن ينصلح حاله، ولكن هيهات، فعندما كانت علاقتنا على أفضل نحو أثناء فترة الخطوبة، اعترف لي بأنه يشرب الخمر، ولكن ليس بشكل مستمر، مما جعلني أظن أنه سوف يبتعد عنها طالما طلبت منه ذلك، كنت أضحك على حالي مثلما أضحك الآن على ما أوهمت نفسي به حينها.
مرت الأيام وتزوجنا سريعًا، وصار الخمر متواجد في منزلنا منذ اليوم الأول من الزواج!! أخبرته أن هذا الأمر من المحرمات، لقول الله عز وجل:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” سورة المائدة الآية رقم 90، إلا أنه كان لا يستمع لي ويخبرنني أنني زوجة نكدية، لا أعلم كيف أجعل زوجي يشعر بالسعادة العارمة، هل من الممكن أن تكون السعادة في غير طاعة الله عز وجل.
من فرط المشكلات التي كانت تحدث بسبب تناوله المشروبات الكحولية، أصبح يقوم بشربها مع أصدقائه، فيعود لي كما لو أنه لا يعلم كيف أتى إلى المنزل، أصرخ وأهلل، وأفتعل الأزمة الكبيرة دون جدوى، إلى أن أتى يوم من الأيام ووجدته ثملًا حد النخاع عندما أتى إلى المنزل، كانت رائحة فمه تنم عن أنه شرب الكثير من الخمور إلى أنه لم يعد يعي ما الذي يمكنه قوله عندما يدخل من الباب.
ألقى تحية غريبة، لم أرد عليها، قلت له حينها إن استمريت على ذلك (القرف) طلقني، قال لي: أنت طالق، اغربي عن وجهي لا أريد أن أراك، فأنت والبومة شخصية واحدة، تركني وذهب إلى الفراش ولم يتفوه بكلمة أخرى، لا أعلم ما الذي كان يجدر بي فعله في تلك الآونة، فالوقت متأخر، ولا أريد أن أخطو خطوة واحدة لا أعرف ما هي العواقب التي تترتب عليها.
ماذا أفعل الآن وأنا زوجي قد طلقني وهو ثمل، هل يقع ذلك الطلاق أم لا؟ فأنا على الرغم من كل ذلك أحبه حبًا جمًا ولا أود أن أهدم بيتي.
وقوع الطلاق من عدمه في حالة السكر
هوني عليك يا عزيزتي، فأنا أعلم أنك تتألمين كثيرًا لما حدث بينكما، لا أخفيك الخبر، أنا أشعر بحالة من الذهول، فلطالما كانت علاقة الحب بينكما مثالية في عيني، لم أكن أتوقع أن تكون المشكلات الزوجية بينكما كبيرة إلى هذا الحد، ولكن دعيني أتحدث معك في أمر الطلاق الآن، وهو أمر جلي ذكره الله عز وجل وأحكامه في الآيات الكريمة من رقم 1 إلى رقم 4 من سورة الطلاق، حيث قال جل في علاه:
“ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا“
أترين تلك الأحكام بالغة الدقة، كم من وعي وعقل حاضر تحتاج؟ فكيف تقنعين ذاتك أن الطلاق قد وقع بالضرورة وأنت على يقين بأن زوجك كان ثملًا لدرجة أن وعيه لم يكن حاضرًا؟ أم أنه هناك ظن في ذلك؟؟
لا كان بالفعل سكرانًا، وما أكد لي ذلك هو صوت صديقه الذي أوصله إلى باب المنزل، فلو كان زوجي مستفيق، لما جعله يقوم بذلك في تلك الساعة المتأخرة من الليل، ولا أعتقد أيضًا أنه في حالة عدم سماعه مني لفظ الطلاق، لما كان قال هذا، وما أكد لي كذلك أنه في غير وعيه، أنه تركني وغط في نوبة عميقة من النوم بعد تلك المشادة التي حدثت بيننا.
متى لا يقع الطلاق والزوج شارب
إذن اعلمي يا عزيزتي أنه هناك حالات لا يقع فيها الطلاق والزوج شارب، تعرفي عليها من خلال ما يلي:
- إن كان الزوج قد تناول أحد أنواع الخمور وهو لا يعلم أنها تسكر وتتسبب في غياب عقله، ثم ذهب إلى زوجته فطلقها، فإن الطلاق في تلك الحالة لا يقع.
- إن كان سبب سكر الزوج هو تناول الخمور أو أي من المسكرات الأخرى من أجل الخضوع للتداوي من مشكلة صحية يعاني منها، مع عدم توافر أية طريقة أخرى يذهب بها عقله لكونه لن يقدر على تحمل الألم، ففي تلك الأثناء طلق زوجته، فإن الطلاق هنا غير واقع أيضًا.
- في حالة إن كان الزوج في مكان ليس به طعام أو شراب، ولم يتح أمامه سوى الخمر أو أي من المسكرات الأخرى، فاضطر إلى تناولها حفاظًا على حياته، فإن طلق زوجته حينها لأي سبب من الأسباب، دون أن يكون ذهنه حاضرًا، فهو بتلك الحالة غير مطلق لها، ولا تصح تلك الطلقة ولو بنسبة ضئيلة.
- من الممكن أن يكون تناول الزوج الخمور مكرهًا، حيث أعطاه إياه شخص فرضه عليه، مما أدى إلى فقدانه عقله ورشده نتيجة شربه، وطلق زوجته، هنا لا يقع الطلاق.
- في حالة تناول الزوج طعامًا أو شرابًا قد أحله الله عز وجل، ومع ذلك فإنه يسكر دون أن يعلم، فإن طلاقه إلى نطق به في تلك الحالة لا يعد واقعًا.
متى يقع الطلاق والزوج ثمل
يحق لك أن تقلقي للغاية، وتتأكدي من أن الطلاق واقع لا محالة، حينما يكون زوجك قد تناول مسكر أو الخمور عن عمد وبدأ في أن يقفد الوعي، لكن ذهنه مازال حاضرًا، فألقى يمين الطلاق، هنا الطلاق قد وقع، ولك أن تتأكدي من الأمر بسؤاله بعد ذلك، وستجدين أنه متذكر لما حدث.
أما في حالة سكره التام، الذي جعله لا يدرك ما يقول، وطلقك، فقد ذهب أغلبية أهل الفقه إلى أن الطلاق غير واقع، وذلك استنادًا لقوله جل في علاه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ” سورة النساء الآية رقم 43، فيما يعني أن الثمل بتلك الحالة لا يمكن أن يكون واعيًا وبالتالي لا يقع الطلاق، ولكن هناك القليل من العلماء قد اختلفوا في ذلك الأمر، ولا تنسي أن اختلافهم رحمة.
لذا من أجل المزيد من الاطمئنان، دعينا نذهب إلى دار الإفتاء، ونتيقن من أن الطلاق لم يقع، فتعودين إلى زوجك سعيدة للغاية.
تناول الخمور من الأمور التي حرمها الله عز وجل، كونه يعلم أها لا تعود على أربابها سوى بالمشكلات، والتي من الممكن أن تصل إلى الطلاق لا قدر الله.