مطالب النسوية الإسلامية لا تنأى عن حركة النسوية الأولى التي ظهرت كرد فعل للثقافات السائدة عن المرأة والتي تحمل صورة سلبية.. فكثيرٌ من الأطروحات ظهرت لتنتقد المنطق الأبوي الذكوري حينذاك، مما أظهر بعد أمدٍ ذلك الواقع المحتقن بالتمييز، وسط إطار من المفاهيم المغلوطة التي آلت بالاختباء تحت مظلة الإسلام للمناداة بالمساواة المُطلقة.. ولنا أن نفيض في الحديث عنها من خلال موقعنا.
مطالب النسوية الإسلامية
يبدأ الحديث عن النسوية الإسلامية من تلك الضجة التي تسببت فيها الأستاذة “أمينة ودود” الأمريكية، فهي التي أمّت بالمصلين في أوكسفورد.. وما كان من فقهاء الإسلام إلا الاعتراض على ذلك، في ظل زعم منها بأنه من حق المرأة الإمامة كالرجال وفقًا لاجتهادها في المجال الفقهي.
فبذلك تكون قد تبنت موقف مختلف من الموروثات الدينية والتاريخية والسياسية والثقافية، بانتقاض كافة المفاهيم التي بنيت على الأسس الأبوية الذكورية.
أما عن مطالب النسوية الإسلامية فتتجلى في أنها تتبنى رؤية لدراسة قضايا الجندرية في القرآن والسنة، فتستهدف مساواة جندرية كاملة من خلال المنهجية النقدية للسلطة الذكورية للمعارف الدينية.. فتُنادي بتطبيق مبادئ العدل والقسط الإسلامي، فتقوم على إعادة النظر في كل ما هو مُفسر للنصوص الدينية حتى تتوافق مع مبادئ الحركة النسوية الأم.
فتتعدد الأيديولوجيات التي تتبناها النسوية تحت مظلة الإسلام، حيث ترتكز على التفاسير البديلة لتعمل على انتقادها، مُعززة أفكارها بالمساواة بين الرجل والمرأة، فتأتي أفكارها بحق مناقضة لأحكام الإسلام.
- رفض تعدد الزوجات.
- المناداة بالصلاة المختلطة.. وإمامة النساء.
- المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث.
دواعي ظهور النسوية الإسلامية
تعتبر النسوية الإسلامية من التيارات الفكرية ذات الحداثة النسبية، تُنسب إلى مجموعة من الناشطات من مختلف الجنسيات في سياقات اجتماعية وسياسية متباينة، تستند في دعائمها على مبادئ الشريعة الإسلامية، فيما يتعلق بالتأويلات للنصوص الإلهية التي تدعم وجهة النظر النسوية.
المرة الأولى التي ظهر فيها مصطلح النسوية الإسلامية رافقها كثير من الجدل وحالة من التساؤلات المُبهمة.. كما أنها اتهمت بالتناقض في فحواها، على أن لها موقع ملحوظ من حركة النسوية العالمية.
في التاريخ النسويّ منذ ظهوره تجلت موجات عدّة، منذ نهاية القرن التاسع عشر، كانت أولها متركزة على مطالبة النساء بحقوق قانونية تقتصر على التصويت وظروف العمل وأشياء من هذا القبيل.. فلم تكن تمتّ إلى مطالب النسوية الإسلامية بصِلة.
أما الموجة الثانية فكانت الأكثر عُمقًا، فقد أولت اهتمامًا بقضايا النوع الاجتماعي والتمييز المحقق، والعنف الممارس ضد المرأة، لتأتي الموجة الثالثة مُعربةً عن التمايز الداخلي وطبقات الاضطهاد.. فالمرأة هي التي يُواجه ضدها التمييز الجنسي والعرقي والطبقي في آن واحد.
أتت الموجة الرابعة من النسوية متحررة من القوالب النمطية، لتطالب بحقوق الفئات المهمشة والعناية باستخدام التكنولوجيا الحديثة لتحقيق المساواة الجنسية.. ليأتي بعد ذلك تيّار آخر مختلف، يحمل المضمون ذاته إلا أنه يرمي إلى القضاء على كافة أشكال اللامساواة، وهو التيار الذي تمثل في مطالب النسوية الإسلامية.
بناءً على ذلك، ظهرت النسوية الإسلامية في بداية تسعينيات القرن العشرين، كواحدة من الأسس الفلسفية لحركة الإسلام المناهضة في أفريقيا الجنوبية.
ماذا تُقدم النسوية الإسلامية للنساء؟
ربما تعزو مطالب النسوية الإسلامية إلى ما يتعلق بالنساء المُسلمات أنفسهنّ، بالنظر إلى شعور النساء بالقلق المرتبط بالحرية أو الهوية على إثر القراءات المتطرفة حول دور المرأة في المجتمع، والخطاب المنادي بأن تحريرها يرتبط بتحررها من الدين.
الدكتورة “أميمة أبو بكر” أستاذة الأدب الإنجليزي المُقارن بمنتدى النسوية الإسلامية قالت إنها عبارة عن مشروع بحثي فكري يستهدف إنصاف النساء لتحقيق العدالة لهنّ من خلال مرجعية الإسلام، باستلهام من مبادئ القرآن والسنة.
مؤكدة هي والنساء الأخريات المتزعمات للحركة على أن النسوية الإسلامية لها فضائها الخاص الذي تتحرك فيه، فلا تُلحق إلى تيار فكري وسياسي آخر.. حتى التيار الليبرالي الذي يُنادي بحرية المرأة والتابع لقناعة الغرب.
فالنسويات المُسلمات يعتبرن أن النسوية الإسلامية تقدم لهنّ وسيلة أو ذريعة للاشتباك مع ذكورية التراث بشكل ناقد، لتتناسب أكثر مع المفاهيم القرآنية.. بهدف الوصول إلى صيغة تحفظ للمرأة هويتها، فتعيش كإنسانة لها حقوق وكرامة، كما تحفظ هويتها الإسلامية.
كما تقدم النسوية الإسلامية للنساء طرحًا آخر متمثلًا في أن النساء بإمكانهنّ احتلال المكانة المتساوية على المستوى الاجتماعي والإنساني والثقافي بتأصيل من الإسلام من خلال إعادة فهم النصوص الإلهية بعقلية تنأى عن أي انحياز للذكورية.
من المؤسسات الداعية للنسوية الإسلامية (حركة مساواة، مسلمون بقيم معاصرة)، ومن أبرز الشخصيات النسائية التي تجلّت على الساحة: أمينة ودود، فاطمة المرنيسي، أميمة أبو بكر.
النسوية الإسلامية والقراءة الجندرية
يرى بعض الباحثين الغرب أن الحداثة التي شهد العالم فيها طفرة كانت هي الأساس لتبلور الخطاب النسوي المتماشي في مبادئه مع حقوق الإنسان بالمناداة بعدم التمييز بين الرجل والمرأة.. بيد أن النسوية الإسلامية استعان أنصارها بالمناخ السائد على الساحة، والاعتبارات الأيديولوجية والسياسية والثقافية المترسخة عند العرب في إطار مترابط مع الدين.
كما يرى آخرون أنها ما هي إلا محاولة لتلبيس مفاهيم النسوية بلباس إسلامي، على اعتبار أن النسوية كحركة تتمركز حول ذاتها ومنهجيتها فحسب.. فتنطلق إذًا من أحكام إسلامية لتعزيزها.
يُذكر أن من النسوية الإسلامية اتجاهات عدة، منها الاتجاه الإصلاحي والرافض وكذلك التأويلي كضلع ثالث بينهما.. وهو الذي يعزو في مبادئه إلى عدم أحقية الرؤية الذكورية في التدخل في تفسير النص الشرعي للقضايا النسوية.
إلا أن القراءة الجندرية للتراث الإسلامي وقعت في نهاية المطاف في عدة مزالق ومنعطفات منهجية، فكشفت عن التفكير والأساس الأيدولوجي الراسخ والذي قامت عليه، بتفسير النص الديني بشكل منحاز للنسوية.
النظرة التأملية للإسلام في قضايا الجنسين
لعلّنا مدركين أنّ الإسلام يرفض الأبوية الذكورية بطبيعة الحال، فحينما استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان في الأرض كانت الخلافة للرجال والنساء على حد سواء.. فتعمير الأرض لم يكن من مهام آدم وحده وإلا ما قدر عليه، فمن الجدير بالتأمل في اللغة القرآنية أن لفظ الإنسان يشار بها إلى المذكر والمؤنث معًا.
إذًا تتجلى المساواة بين الرجل والمرأة في النصوص الإلهية في القيمة الإنسانية لكليهما، تلك المساواة التي يُمكننا النظر إليها وتداركها في الحقوق الممنوحة لهما على قدر من العدل الإلهي، حقوق في المسؤولية ومساواة في الجزاء.
بناءً على تلك المساواة، تأتي وحدة المآل الطامحة، والغاية النهائية السامية، وكذلك وحدة الأصل والنفس الواحدة.. إنها النظرة التي يجب أن يتداركها بنو آدم سواء.
فنحن لسنا بصدد المساواة المطلقة، وإلا كنّا في خراب محقق، بل مساواة نسبية ولو في بعض الجوانب، امتثالًا للفطرة التي جُبلنا عليها، والتي تقتضي بدورها تباين القدرات والمهام والحقوق وكذلك المسؤوليات.. تلك هي نسبية المساواة والتي يُعوّل عليها تحقيق التكامل بين الجنسين امتثالًا للغرض من الاستخلاف في الأرض.
هذا وقد تطرق الأئمة والسلف الصالح إلى تلك القضية مؤكدين على أن البعث النبويّ الشريف كان مناديًا للجنسين، وكذلك الخطاب الإلهي لم يكن للرجال فحسب بل للخليقة أجمعين.
أما عن القوامة -باعتبارها من المفاهيم التي نالت تأويلات مغلوطة معززة من التفكير النسوي الصِرف- فإن في مفهومها الأعمق صفة للمؤمنين كافة رجالًا ونساءً، فهي ترتبط بالقيام على أمر الدين وفقًا للشريعة.
بيد أن القوامة الخاصة هي التي تختص بالرجل وحده في إطار من الالتزامات الزوجية، فهو ربُّ الأسرة الراعي عليه مسؤولية تكليفية تتجلى في الجانب المادي والمعنوي وحماية رعيّته.. فلا يمكن أن يأخذها البعض على محمل السلطة أو ما شابه، فالعلاقة بين الرجل والمرأة تراحمية في المقام الأول.
وعليه.. لطالما كانت النسوية من أكثر الحركات إثارةً للجدل، وفي العالم الإسلامي حازت على ردود أفعال متباينة، بين مؤيد ومُعارض، إلا أن هذا الجدل لم ينقطع بعض في اعتبارها مُتماشية مع المبادئ الإسلامية أم لا.
كما أن الحركة النسوية الإسلامية تُعتبر من أكثر الأمثلة وضوحًا على الأيديولوجيات الهجينة، والتي بدأت تأخذ مكانًا لنفسها.. ومن الجدير بالذكر أن العلماء المُسلمين يُعرفونها باعتبارها أكثر راديكالية من النسوية العلمانية؛ لأنها تسعى إلى استخدام الإسلام كمصدر لتمكين النساء، وهذا ما تبيّن في مطالب النسوية الإسلامية.
إنّ الطريقة المُثلى التي تُعتبر الأكثر تناسبًا لمحاربة كل ما هو مناهض للمساواة بين الجنسين يتجلى في توجيه الرجل نحو واجبه الحقيقي لا بإخراج المرأة في مُقابلة تنافسية معه.