نية المرأة في زواج التحليل تؤثر بشكل كبير على صحة العقد وبطلانه، ذلك أنّ القصد أساس العمل، ولما كان الزواج مبني على التأبيد والاستمرارية بين الزوجين، كان لابد من وضع الضوابط والمقتضيات التي يكون بها النكاح صحيحًا، ومن ثم بيّن العلماء نية المرأة في مثل هذا الزواج وأثرها على العقد.
نية المرأة في زواج التحليل
الله -عز وجل- حرم الرجل على امرأته إذا طلقها ثلاثًا، فأوضح أنها لا تحل له بعد ذلك إلا أن تنكح زوجًا غيره ثم يطلقها هذا الزوج.
لكن كثير من الناس تتحايل على دين الله عز وجل وتتزوج بزوج آخر بنية أن يُحللها لزوجها الأول، فيما يُعرف بزواج التحليل.
لذا بيّن الفقهاء أن نية المرأة في زواج التحليل قد تؤثر على صحة العقد وفساده، فلا يجوز للمرأة أن تنوي بزواجها الثاني التحليل لزوجها الأول، فإن نوت بذلك فإنه إثم عظيم وذنب كبير تحاسب عليه.
تحايل المرأة في زواج التحليل يجعلها آثمة
إن لم تفعل بدورها أي شيء يؤدي إلى طلاقها ومفارقة زوجها لها، فإن العقد في هذه الحالة يعد صحيحًا ولا تؤثر نيتها فيه.
بيد أنّ نيتها بنكاحها الثاني أن تتحلل لزوجها الأول وقد فعلت ما يؤدي لفراقها عن الثاني.. كأن:
- تمتنع عن الإحسان إليه وتبالغ في متطلباتها.
- ترتد عن دينها من أجل حدوث الفرقة بينهما.
- تسيء معاشرته، أو تظهر له الكره والامتعاض من طلباته وحقوقه.
- تظهر له محبتها لزوجها الأول وغيرها من الأمور.
- تطلب الطلاق، أو فعلت ما يؤدي إلى طلاقها أو تخلع زوجها.
فإنها في تلك الحالة تكون آثمة ويكون العقد محرمًا باطلًا في حقها، وحتى إن فارقت زوجها الثاني لا يجوز لها الرجوع للأول، لأن عقدها الثاني لم يكن صحيحًا بالأساس.
هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بينما يقول بعض الفقهاء: إنه لا يعتد بنيتها مطلقًا لأن الطلاق بيد الزوج وما دام قد تزوجها رغبة في نكاحها فلا يعتد بنيتها، وقالوا: “ مَن لا فُرقة بيده، لا أثر لنيته”.
لكن الراجح هو القول الأول بأن النية تؤثر في صحة العقد، لأن هذا الأمر فيه تحايل على دين الله، فالذي شرعه الله هو التحليل للأول إذا حدث نكاح ثاني مبني على الرغبة والتأبيد، وليس نكاحًا مؤقتًا كان غرضه التحليل.
تحليل الزوجة بعد الطلاق
لا يجوز للمرأة أن تتحايل على شرع الله وتفعل أمور منهي عنها من أجل التحليل لزوجها الأول، فإن ما شرعه الله للمرأة أنه إن طلقها زوجها ثلاثًا فإنه لا يجوز له الرجوع لها مرة أخرى وتحرم عليه.
فقد قال تعالى في سورة البقرة “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ… (229)” ثم قال الله عز وجل في الآية التالية: “فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)”.
ففي الآيات الكريمة بيّن الله سبحانه وتعالى أنه لو تزوجت المرأة بزوج آخر زواجًا شرعيًا مستوفيًا أركانه وشروطه ودخل بها هذا الزوج.. ثم استحالت العشرة بينهما أو وقع الطلاق لأي سبب طبيعي دون تدخل من المرأة أو التسبب فيه، فإنه في تلك الحالة يجوز لها الرجوع لزوجها الأول بعقد ومهر جديدين.
لكن على غرار نية المرأة في زواج التحليل إن نوى الرجل أن يتزوج امرأة من أجل تحليلها لزوجها الأول فإنه هذا الزواج لا يصح ويبطل ويأثم هذا الرجل سواء صرح به أو أضمره.
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي أنه قال: “ أَلَا أُخْبِرُكَ بالتيسِ المستعارِ؟ هو الْمُحِلُّ، فلَعَنَ اللهُ الْمُحِلَّ والْمُحَلَّلَ لَهُ.”.. بذلك يتبين أن زواج التحليل محرم ومنهيّ عنه في الشريعة الإسلامية.
من رحمة الله عز وجل أنه لا يحاسب عباده على مقاصدهم ونواياهم الباطنة، وإنما يحاسب العبد بفعل تلك النية التي
عقدها في قلبه.