الدولة اللبنانية تتخلص من ديونها، من خلال نصب أكبر فخ للمودعين.

  •  محمد عفيف بزون 

تاريخ النشر : 26 حزيران 2021

 

   إن الدين العام اللبناني قد تخطى في العام 2021، 95 مليار دولار أميركي ليصل لعتبة 96  مليار دولار أميركي، خلال الشهر الأول من العام 2021.

   فقد أرتفع الدين العام الإجمالي بنحو 3.94 مليار دولار أميركي، مقارنة بالمستوى الذي كان عليه في شهر كانون الثاني من العام 2020 والبالغ حينها 92 مليار دولار أمريكي.

   ويتوزع الدين العام بين 62.24% بالعملة الوطنية و 37.75% بالعملات الأجنبية.

   يتفق الخبراء الإقتصاديون بأن المشكلة ليست برقم الدين العام بل بنسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث بناءًا لأخر الأرقام المنشورة من قبل وزارة المالية والتي حددت الناتج الإجمالي ب 55 مليار دولار أمريكي، فقد تجاوزت نسبة الدين العام الى الناتج المحلي 170%، أما هذا العام ومع ناتج محلي لن يتجاوز 18.7 مليار دولار أمريكي وفق لتقديرات صندوق النقد الدولي، فسترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي لتصبح 513%، لكن هذه النسبة وفي ظل تدهور سعر العملة اللبنانية مقابل الدولار تصبح نظرية وقابلة للتغير بين ساعة وأخرى. فاليوم، وبظل دولار يوازي 17000 ليرة لبنانية، فإن النسبة الفعلية للدين العام الى الناتج المحلي المتوقع من قبل صندوق النقد الدولي هي 53.47%.

 

الدين العام مستمر بالإرتفاع نظريًا وبالإنخفاض فعليًا.

 

   يقدر الدين العام دفتريًا اليوم ب 95.94 مليار دولار أميركي، ويتوزع بين دين بالعملات الأجنبية يقدر ب 36.24 مليار دولار أميركي، ودين بالعملة الوطنية  يقدّر بحدود 59.69 مليار دولار بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1515 ليرة. يحمل مصرف لبنان والمصارف التجارية ما يعادل 17 مليار دولار أي ما نسبته حوالي 47% من مجمل الدين بالدولار. فيما يتوزع الدين بالليرة اللبنانية بأغلبيته على مصرف لبنان والبنوك والضمان الإجتماعي الذي يحمل الحصة الأقل بما يقدر بـ12 تريليون ليرة.

   والملفت إستمرار إرتفاع الدين العام رغم إعلان الحكومة اللبنانية في آذار 2020 توقفها عن سداد الديون بالدولار (يوروبوندز)، وعزمها على إعادة جدولة تلك المقومة بالليرة اللبنانية. وهذا ما يظهر جليًا من خلال تسجيل الموازنة العامة في 2020 عجزًا نظريًا بقيمة 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يقدر بـ 3.9 مليارات دولار. مع العلم أن إحتساب تراجع الإيرادات بأكثر من 50 في المئة في العام 2020 وإستمرار الإنفاق التشغيلي كما هو، يرفع نسبة العجز إلى أكثر من 11 في المئة أو ما يتراوح فعليًا ما بين 6.5 و 7 مليارات دولار. وفي الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن الإستدانة لتعويض العجز، فهي تعمد إلى طباعة النقود من مصرف لبنان لتسديد المستحقات من دون أن تسجله دينًا على نفسها.

   والمصرف المركزي ملتزم بسد الفجوة المالية في موازنة الدولة بموجب قانون “النقد والتسليف”، بحيث أن الدولة تحتاج شهرياً إلى 1.300 مليار ليرة مصاريف ورواتب لموظفي القطاع العام، في وقت تشهد واردات الخزينة منذ نهاية عام 2019 تراجعًا حادًا، مما  يوجب على الدولة دفع ما عليها من خلال طباعة العملة الوطنية. وبالتالي فإن المصرف المركزي بات أمام سندان دفع ثمن عجز الدولة من ناحية ومطرقة تأمين رواتب 39 في المئة من القوى العاملة، وهم موظفو القطاع العام والقطاعات الأمنية والعسكرية.

 

تخفيض الدين العام من خلال إنكار الدولة له.

 

   يقصد بإنكار الدين العام توقف الدولة عن دفع ما عليها من فوائد الدين العام أو أصله أو كليهما معًا، وتتوقف الدولة عن الدفع في حال إفلاسها أو في حالة نشوب ثورات وحروب أهلية، ومن الأمثلة على إنكار الدين العام ما حدث في روسيا وألمانيا والبرازيل وكولومبيا في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى، ويعتبر في هذه الحالة إنكار الدين العام هذا إنكارًا ظاهريًا.

   وهناك إنكار مستتر للدين العام، وذلك عندما تلجأ الدولة إلى التخلص من ديونها بتخفيض قيمة عملتها من خلال التوسع في طباعة النقود والتضخم السريع والجامح، ومن الأمثلة، ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ إنخفضت قيمة المارك الألماني عام 1923 إلى الصفر تقريبًا، وتمكنت الدولة من تسديد دينها.

   وما يحدث حاليًا في لبنان، هو تسديد الدين العام من خلال الإنكار الظاهري نتيجة إعلان الحكومة اللبنانية في 9 اذار 2020 التوقف عن سداد اليوروبوندز، والإنكار الباطني من خلال الطبع المتواصل للعملة الوطنية وزيادة الكتلة النقدية، حيث تشير إحصاءات مصرف لبنان إلى أن الكتلة المالية المتداولة في الاقتصاد تشهد ارتفاعًا متواصلاً بلغت قيمته في منتصف آذار 35.980 ألف مليار ليرة مقارنة مع 34.487 ألف مليار ليرة في نهاية شباط الماضي، أي بزيادة 1493 مليار ليرة خلال 15 يوماً. ووفق مصادر في مصرف لبنان، فإن الكتلة النقدية المتداولة قد تتجاوز 44 ألف مليار ليرة نهاية حزيران، بعدما كانت نحو 17 ألف مليار ليرة في عام 2019، أي​ ضخّ نحو 2000 مليار ليرة شهرياً في الاقتصاد اللبناني كمعدل وسطي.

   ونتيجة لتعثر الدولة وتوقفها عن سداد سندات اليوروبوندز، فقد تراجع سعر السند ليصبح بين 12.38 و 13.63 سنتًا للدولار الواحد في نهاية هذا الاسبوع وفقًا لتقرير بنك عودة الصادر بتاريخ 25 جزيران 2021.

   ونتيجة للطباعة المتواصلة لليرة اللبنانية والطلب المتزايد على العملات الأجنبية ولاسيما الدولار الأميركي والعرض المنخفض له، فقد تجاوز سعر الدولار الإميركي الواحد اليوم عتبة ال 17.000 ليرة لبنانية.

   وإنخفاض سعر السند وإرتفاع سعر الدولار مقابل الليرة ينعكس إيجابًا على تخفيض قيمة الدين العام، فاليوم الدين العام الذي يعادل نظريًا حوالي 96 مليار دولار أمريكي، أصبحت قيمته الفعلية حوالي 10.030 مليار دولار أميركي فقط، أي  بإنخفاض نسبته حوالي 89%.

  الدين العام دفتريًا الدين العام فعليًا
يوروبوندز 36.24 مليار دولار 4.711 مليار دولار
ليرة لبنانية 59.69 مليار دولار 5.319 مليار دولار
إجمالي 95.94 مليار دولار 10.030 مليار دولار
  • أعتمد لحساب الأرقام أعلاه:
  • دفتريًا: السعر الرسمي لصرف الدولار وهو 1515، والسعر الأساسي لسند اليوروبوندز عند طرحه للبيع.
  • فعليًا: سعر صرف الدولار الفعلي اليوم وهو 17.000 ليرة، ومعدل وسطي لسعر سند اليوروبوندز اليوم وهو 13 سنتًا لكل دولار.
  •    مع الأخذ بعين الإعتبار أن الدين العام قابل للمزيد من الإنخفاض نتيجة تدهور سعر صرف الليرة وفقدان سندات اليوروبوندز لقيمتها.

 

   لكن إيجابية إنخفاض الدين العام يقابله العديد من السلبيات وهي على سبيل التعداد لا الحصر:

  • تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، مما ينعكس على إزدياد في حالات الفقر.
  • تراجع القدرة الشرائية لمدخرات المواطنين، وأغلبها جنى أعمارهم وتعويضات نهاية خدمتهم التي أدخروها في المصارف للعيش من الفائدة المحصّلة سنويًا.
  • تراجع قيمة الودائع بالعملات الأجنبية، نتيجة لتبديديها من قبل المصارف والمصرف المركزي والحكومة اللبنانية، من خلال تمويل الدولة اللبنانية وسد العجز السنوي بميزان المدفوعات، مما أدى إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، الذي كان يشكل ركيزة أساسية في الإقتصاد اللبناني منذ الإستقلال.
  • التراجع في تقديم الخدمات الصحية، نتيجة فقدان المسلتزمات الأساسية والأدوية، مما ينذر بإحتمال وقوع كوارث صحية خطيرة.
  • التراجع في تقديم الخدمات الأساسية من نقل وكهرباء ومياه وهاتف وإنترنت، والتخوف من فقدانها نهائيًا أو شبه نهائيًا.
  • التراجع في تقديم الخدمات السياحية نتيجة التراجع في تقديم الخدمات الأساسية.

وغيرها الكثير الكثير من السلبيات التي لا مجال لتعدادها والتي تنتج عن الفقر وفقدان الخدمات.

 

    وفي المحصلة، فإن الدولة اللبنانية التي من واجبها حماية مواطنيها والمحافظة على مصالهم، نصبت فخًا للمودعين اللبنانيين والأجانب من خلال رفع أسعار الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي، ووجود قانون السرية المصرفية، اللذان شجعا الكثير من المودعين اللبنانيين والأجانب لإيداع أموالهم في المصارف اللبنانية، أو شراء سندات دين بالعملات اللبنانية والأجنبية، ومن هذه الودائع موّلت الدولة على مدى عشرات السنوات سياسات إقتصادية فاشلة، وهندسات مالية أفشل، تفوح منها روائح الهدر والسرقة والصفقات بالتراضي والعمولات ووو.

والنتيجة كانت فقدان المودعين:

  • بالعملات الأجنبية لحوالي 180 مليار دولار امريكي.
  • بالعملة الوطنية لحوالي 89% من قيمة ودائعهم.

  * محمد عفيف بزون

 

Leave a Comment

Scroll to Top